عذاب قوم لوط وما يتعلق به من حقائق
قصة لوط عليه السلام مع قومه الذي أرسل إليهم ذكرت بالقران وهو الإعجاز في تأكيد القرآن الكريم على وجود أدلة واضحة تؤكد على ما حل بالقوم من عذاب أليم.
.
وسنشرح في هذه المقالة طبيعة العذاب الذي حل بقوم لوط على ضوء الصور المأخوذة من الأقمار الصناعية وكذلك من الأرض واستنادا إلى الأبحاث العلمية التي أجريت حديثا على التركيب الجيولوجي لمنطقة البحر الميت وإلى الدراسات التي أجريت على حجارة المنطقة المدمرة.
لقد أكد القرآن الكريم في أكثر من آية على وجود أدلة واضحة تركها الله سبحانه وتعالى في المنطقة المدمرة لتؤكد صدق ما حل بالقوم من عذاب ولتكون عبرة لمن يأتي من بعدهم من أقوام كما في قوله تعالى “إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)” العنكبوت وقوله تعالى “قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)” الذاريات.
.
ولقد حدد القرآن الكريم كذلك مكان القرى المدمرة وأنها موجودة على الطريق الذي كان تسلكه قوافل قريش إلى بيت المقدس وقد شاهدوا بأنفسهم بعض أثار هذا الدمار وذلك في قوله تعالى “فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)” الحجر وقوله سبحانه “وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)” الصافات وقوله عز من قائل “وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)” القرقان.
وفي قول الله عز وجل “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ” تأكيد واضح على أن بعض آيات الله عزوجل لا يدركها إلا طائفة من المؤمنين وهم الذين لا يفتأون يبحثون عن كل دليل يقوي إيمانهم بالله عز وجل.
وللأسف أن بعض المسلمين ممن يعارضون الكتابة في الإعجاز العلمي يقولون أنهم ليسوا بحاجة لمثل هذه الأدلة لزيادة إيمانهم ويزعمون أن إيمانهم مكتمل وينسون قوله تعالى عن المؤمنين “لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ” وقوله تعالى “وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا”.
ولقد كان إبراهيم عليه السلام من أكثر الناس توسما في آيات الله في هذا الكون ولذلك قال الله عز وجل عنه “وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)” الأنعام.
لقد جاء وصف العذاب الأليم الذي حل بقوم لوط في أكثر من سورة من سور القرآن الكريم كما في فوله عز وجل في سورة هود “قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)” هود وكذلك في آيات سورة الحجر المذكورة آنفا ففي هذه الآيات تم تحديد وقت نزول العذاب وهو عند الصبح بعد طلوع الشمس ولذلك فقد أمرت الملائكة لوط عليه السلام بأن يخرج مع أهله من القرية خلال الليل لكي يصل إلى مكان آمن في الجبال الواقعة شرقي البحر الميت.
أما طبيعة العذاب فهو من أشد أنواع العذاب الذي حل بأي أمة من الأمم التي عتت عن أمر ربها ولا بد هنا من التأكيد على أن العذاب الذي ينزله الله عز وجل على الأمم ليس بالضرورة أن يأتي من خارج الأرض بل في الغالب يتم باستخدام ظواهر طبيعية كالزلازل والبراكين والخسف والأمطار والرياح وأمواج البحر العاتية وغير ذلك من الظواهر وذلك بعد أن يأذن الله عز وجل لها وذلك مصداقا لقوله تعالى “وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)”.
وبسبب التركيبة الجيولوجية العجيبة لمنطقة البحر الميت فقد كان العذاب الذي حل بالقوم من أعجب وأشد أنواع العذاب, فقد بدأ العذاب عند الشروق بإنفجارات مدوية تصم الآذان نتيجة ثوران البركان ” فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)” مما أخرج القوم من بيوتهم ثم تلا ذالك زلزال شديد وخسف لجميع المنطقة التي تقع عليها مدنهم “فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا” ثم بدأت الحمم البركانية تخرج بشدة وبعنف من الشقوق المحيطة بالمدن حيث حصل الخسف وتصبها على القوم المحاصرين في منطقة الخسف “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ” وأخيرا وبسبب وقوع القرية على الشاطئ الجنوبي للبحر الميت فقد فاضت عليهم مياه البحر لتملأ هذه الأرض المخسوفة لتصبح جزءا منه ولتبقى شاهدا على هذا العذاب الأليم.
ومن الأدلة التي تؤكد على صدق ما جاء بها القرآن الكريم ودقة العبارات التي تصف طبيعة العذاب الذي حل بالقو:
- فالدليل الأول فهو أن قرى قوم لوط تقع على تلال كانت تحاذي الشاطئ الجنوبي للبحر الميت وهي تقع فوق بؤرة الصدع القاري الذي كون غور الأردن وكذلك البحر الأحمر وهو صدع شهد كثيرا من الأنشطة البركانية كما هو مشاهد من الحجارة البازلتية في الجبال المحيطة به.
وينخفض سطح البحر الميت عن سطح البحر بحوالي أربعمائة متر ولولا سلاسل جبلية قصيرة تقع شمال حليج العقبة وشرق البحر المتوسط لكان غور الأردن جزءا من البحر الأحمر أو ربما البحر المتوسط وقد كان كما يقول بعض الجيولوجيون. فهذه المنطقة معرضة للخسف في أي وقت بسبب وجود هذا الصدع القاري فقد تكون غور الأردن قبل 27 مليون سنة بسبب تباعد الصفيحتين العربية والإفريقية عن بعضهما ثم تكون البحر الميت قبل مليوني سنة بسبب خسف في منتصف غور الأردن. ومن ثم حصل الخسف الأخير جنوب البحر الميت قبل أربعة آلاف سنة تقريبا فأصبحت المنطقة المخسوفة جزءا من البحر الميت بعد أن كانت مأهولة بقوم لوط.
ويقول بعض الجيولوجيون أن المنطقة الجنوبية للبحر الميت كانت تحتوي تحت سطحها خزان ضخم من البترول والغاز وكان يتسرب إلى البحر الميت ليظهر على شكل إسفلت ولذا كان يطلق عليه اسم بحر الإسفلت. ولذلك يقول البعض أن البركان الذي أدى إلى خسف مدن قوم لوط صاحبه احتراق كميات كبيرة من الغاز والبترول زاد من شدة العذاب الذي أوقعه الله عز وجل بهؤلاء القوم الشاذين.
- أما الدليل الثاني فهو أن الصور الجوية والأرضية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بحصول خسف في المنطقة الجنوبية من البحر الميت .
قال محمد بن كعب القرظي إن الله تعالى بعث جبريل إلى مؤتفكات قوم لوط فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى إن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وأتبعها بحجارة من سجّيل حتى أهلكها وما حولها
- أما الدليل الثالث فهو عثور المستكشفين في تلك المنطقة على حجارة صغيرة ذات تراكيب عجيبة تؤكد صدق ما جاء في القرآن الكريم من وصف دقيق لهذه الحجارة, فقد أكد على مواصفات الحجارة التي أمطرت على القوم فذكر أنها حجارة من طين “لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ” ثم حدد لها وصفا آخر وهو أنها من سجيل “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ” ثم وصف السجيل بأنه منضود وأن الحجارة كانت مسومة “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ”. وعلى الرغم من أن المفسرين قد اختلفوا في معاني السجيل والمنضود والمسومة إلا أن المعنى العام يوحي أن الطين قد شكل بطريقة معينة بحيث يوقع أشد العذاب بمن تصيبه هذه الحجارة. فقد قال بعضهم بأن السجيل المنضود هو طين قد طبخ حتى صار كالأرحاء (ذكره ابن عيسى) وقال البعض الآخر بأنه الحجارة الصلبة الشديدة ( قاله أبو عبيدة) وقيل في المنضود أنه طين قد نُضَّد بعضه على بعض (قاله الربيع) وأما المسومة فقد قالوا أنها كانت مختمة على كل حجر منها اسم صاحبه وقال بعضهم أنها معلمة ببياض في حمرة (قول ابن عباس) وقال قتادة أنها مطوقة بسواد في حمرة. وتظهر الصور التالية بعض أشكال الحجارة التي عثر عليها المستكشفون في المنطقة الجنوبية الغربية المحاذية للبحر الميت وقد وجدوا أن لها شكل كروي وأن بعضها مكون من قلب من الكبريت أبيض اللون مغلف بطبقات حجرية تميل إلى الحمرة. ومن العجيب أن تتفق الأوصاف التي أعطاها المفسرون لهذه الحجارة مع المواصفات التي اكتشفها الباحثون فهي حجارة مكونة من طبقات (منضودة).
ويبقى السؤال المهم المتعلق بالسر في هذا التركيب العجيب لهذه الحجارة الذي عذب الله بها قوم لوط. ومن المحتمل كإجابة على هذا السؤال أن الله عز وجل قد أراد أن يحرق أجسام هؤلاء القوم وهم أحياء بسبب فعلهم الشنيع فاختار الكبريت كمادة حارقة لهذا الغرض ولكن من المعروف أن الكبريت يذوب عند درجات حرارة ليست عالية (330 درجة مئوية) ولذلك فإنه من الصعب أن يصل لمسافات بعيدة عند خروجه من فوهة البركان. ولذا فقد تم تغليفة بمادة طينية وعندما يخرج هذا الكبريت المغلف على شكل حجارة من فوهة البركان فإنه يصل لمسافات بعيدة تصيب كل فرد من أفراد القوم.
وبعد أن يصطدم الحجر بأجسام القوم فإن الغلاف الطيني سرعان ما ينكسر فيخرج منه الكبريت المنصهر فيذيب أجسامهم جزاء على أفعالهم الشنيعة, وأن هذه الحجارة عندما تصطدم بسطح صخري فإنها تنفجر فيحرق الكبريت ما حوله من صخر مخلفا دوائر بنية اللون, وبهذه الطريقة البديعة التي استخدمت في تعذيب هؤلاء القوم أصبح بالإمكان تعذيب كل فرد من أفراد القوم بنفس النوع من العذاب حتى لو كان خارج منطقة الخسف كما حدث مع زوجة لوط الكافرة, فقد خرجت هذه المرآة الملعونة مع نبي الله وابنتيه وقد أمرهم الله عز وجل أن لا يلتف منهم أحد إلى الوراء عندما ينزل العذاب بمدن القوم, ولكن كتب الله على المرأة أن تلتفت إلى الوراء عندما سمعت دوي الانفجارات البركانية (الصيحة) فتسمرت في مكانها من هول المنظر فأصابها ما أصاب القوم من العذاب حيث قذفها الله بهذه الحجارة البركانية “وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ” .
ويقال والله أعلم أن النصب الصخري الذي يقف منتصبا على السفح الشرقي للبحر الميت هي حمم بركانية غلفت امرآة لوط عليه السلام, ولقد نجا الله لوط عليه السلام وابنتيه من هذا العذاب الأليم وكان من لطف الله بهاتين البنتين أن الله أمر أبيهما عليه السلام أن يمشي خلفهما ليمنعهما من الإلتفات إلى الوراء عند سماع صوت الإنفجارات المدوية والذي قد يحدث بطريقة لاإرادية “فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)” الحجر.
- أما الدليل الرابع فهو أن طبيعة الجزء الجنوبي من البحر الميت يختلف تماما عن الجزء الشمالي والذي كان يفصل بينهما جزئيا ما يسمى باللسان عندما كان مستوى سطح البحر عاليا قبل عدة عقود, وبعد انخفاض مستوى سطح البحر بسبب قلة المياه التي تغذيه من نهر الأردن امتد اللسان إلى الغرب ففصل الجزئين عن بعضهما, فالجزء الواقع شمال اللسان وهو الأكبر له عمق يصل لعدة مئات من الأمتار ولذا يبدو البحر الميت أسود اللون في هذا الجزء أما الجزء الجنوبي الصغير فهو ضحل لا يتجاوز عمقه العشرين مترا والذي يبدو أزرق اللون, ومن الواضح أن الجزء الجنوبي من البحر الميت قد تكون في فترة متأخرة نظرا للفرق الشاسع بين عمق مياه الجزئين, وبسبب ضحالة مياه الجزء الجنوبي وانفصاله عن الجزء الجنوبي فإن مياهه ستجف تماما في غضون عدة سنوات وسيتمكن الباحثون من الكشف عن كثير من آثار قوم لوط ليتأكد قوله عز من قائل “وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)” العنكبوت والقائل سبحانه “وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)” الذاريات “.